هل فشلت الحكومة في مجال التشغيل؟ .. 14 مليار درهم تُنفق و1.45 مليون منصب شغل موجودة على الورق فقط

 هل فشلت الحكومة في مجال التشغيل؟ .. 14 مليار درهم تُنفق و1.45 مليون منصب شغل موجودة على الورق فقط
الصحيفة - خولة اجعيفري
الخميس 17 يوليوز 2025 - 20:00

بين خطاب حكومي يتحدث عن 1.45 مليون منصب شغل جديد وواقع اجتماعي تتصدره مؤشرات بطالة متصاعدة لم تستطع الحكومة تطويقها رغم الوعود السابقة، يجد الرأي العام نفسه أمام معادلة يصعب تصديقها، حول ما يمكن لحكومة تملك الأغلبية التشريعية والمالية التي تضخ 14 مليار درهم في برامج التشغيل، دون أن ينعكس ذلك على منحنى البطالة الذي يتصاعد.

جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة عزيز أخنوش بمجلس المستشارين يوم الثلاثاء، كانت مناسبة أخرى لتسويق ما سُمي بـ"خطة شاملة لتقليص البطالة إلى 9٪ بحلول سنة 2030"، وهي ذاتها الخطة التي تضمنت محاور متعددة بما فيها تحفيز الاستثمار بـ12 مليار درهم، والحفاظ على مناصب الشغل في القطاع الفلاحي بمليار درهم، وتوسيع البرامج النشطة للتشغيل بمليار درهم إضافي، إضافة إلى استهداف 100 ألف مستفيد من التكوين بالتدرج سنة 2025، وتوسيع دائرة المستفيدين لتشمل غير الحاصلين على شهادات.

لكن هذه الأرقام لم تمر دون مساءلة من داخل الأغلبية نفسها، فالمستشار البرلماني عبد اللطيف الأنصاري، عن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، واجه رئيس الحكومة بإقرار مهم قال فيه إن: "مؤشرات التشغيل المسجلة حالياً غير مرضية، ولا تتناسب مع حجم الجهود التنموية التي تبذلها البلاد"، وهي ملاحظة تكشف ما هو أعمق من انتقاد شكلي، إذ تؤكد أن الخطة الحكومية، برغم غلافها المالي لم تؤسس بعد لتحول هيكلي في معالجة معضلة التشغيل، التي ما تزال قائمة، خصوصا في صفوف الشباب والنساء.

وبالفعل، فإن المعطيات الميدانية، الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط في الفصل الأول من سنة 2025، تُثبت هذا الفارق الفج بين الخطاب والواقع ذلك أن معدل البطالة الوطني بلغ 12.8%، مقابل 12.3% في نفس الفترة من السنة الماضية، ما يعني ارتفاعا واضحا ومتواصلا في صفوف الشباب، حيث تجاوزت البطالة 29%، أما بالنسبة للنساء فوصلت إلى 19.8%، مع تفاوتات مجالية حادة، خاصة في الجهات ذات الهشاشة الاجتماعية مثل درعة-تافيلالت والشرق.

عند تحليل تفاصيل الخطة الحكومية، يظهر غياب واضح لمؤشرات التقييم المرحلي، كما لا توجد آليات محكمة لضمان الأثر الفعلي للغلاف المالي المعلن، فعلى سبيل المثال، مبلغ 12 مليار درهم المخصص لتحفيز الاستثمار لم يُقرَن بإجراءات واضحة لضمان ارتباط هذه الاستثمارات بمنشآت إنتاجية حقيقية قادرة على خلق الشغل، بل يتم تقديمه كتحفيز عام، دون تدقيق في القطاعات أو الجهات أو نوعية فرص العمل المزمع توفيرها.

الأمر نفسه، ينطبق على دعم القطاع الفلاحي، الذي لا يزال يعاني من هشاشة تنظيمية وموسمية التشغيل، ما يجعل مناصب العمل المرتبطة به، في أحسن الأحوال، ظرفية وغير مستقرة وقد سبق لتقارير رسمية، أبرزها تقارير مجلس المنافسة والمندوبية السامية للتخطيط، أن أكدت أن الفلاحة المغربية تظل القطاع الأقل إسهاما في خلق مناصب عمل ذات حماية اجتماعية وتأمين صحي.

أما البرامج النشطة للتشغيل، مثل "إدماج" و"تحفيز"، فقد سبق أن خضعت لتقييمات أكاديمية ومؤسساتية خلصت إلى أن أثرها ظل محدودا، خصوصا على مستوى الإدماج الدائم في سوق الشغل، فقد بيّنت دراسة منشورة في مجلة Formation Emploi أن برنامج "إدماج"، على الرغم من تقديمه إعفاءات جبائية للمشغلين، لم يتحول إلى بوابة فعلية نحو التوظيف المستقر، بل غالبا ما أدى إلى مناصب عمل مؤقتة انتهت بانتهاء فترة الدعم، دون تحسين ملموس في الأجور أو جودة الشغل، كما أكد تقرير تحليلي صادر عن Policy Center for the New South أن هذه البرامج تعاني من غياب التتبع الفردي للمستفيدين، وضعف التنسيق بين الفاعلين، وغياب أدوات تقييم دقيقة لأثرها على المدى المتوسط والبعيد، وهو ما يفسر استمرار معدلات البطالة المرتفعة في صفوف الشباب، رغم مرور أكثر من عقد على إطلاق هذه البرامج.

ورغم الحضور الكثيف لبرنامج "أوراش" في الخطاب الحكومي منذ إطلاقه سنة 2022 كأحد أعمدة مواجهة البطالة، إلا أن مخرجاته الميدانية تكشف عن محدودية فعاليته، إذ وُجّه أساسا إلى الفئات الهشة والعاطلين عن العمل في إطار عقود مؤقتة تمتد بين ستة وتسعة أشهر، ولم يُفضِ إلى إدماج فعلي في سوق الشغل، بل تحوّل إلى آلية ظرفية لتسكين الأزمة الاجتماعية أكثر من كونه مسارا إنتاجيا مستداما، بسبب غياب التكوين الموازي، وغياب الأثر طويل المدى، وعودة آلاف المستفيدين إلى البطالة بانتهاء مدة العقد.

أما برنامج "فرصة"، الذي رُوّج له من طرف حكومة أخنوش كاستراتيجية واعدة لتشجيع ريادة الأعمال وتمويل المشاريع الصغرى، فقد اصطدم بدوره بواقع مُعقّد على الأرض، فبين ضعف مرافقة حاملي المشاريع، وغموض معايير الانتقاء، وغياب تتبع حقيقي لمآل التمويلات، أضحى البرنامج أقرب إلى مبادرة ترويجية منه إلى سياسة تشغيل فعّالة، ورغم الإعلان عن تمويل آلاف المشاريع، لم تُقدّم الحكومة إلى حدود اليوم أي أرقام دقيقة حول نسبة المشاريع التي استمرت بعد عامها الأول، أو عدد مناصب الشغل الفعلية التي خلقتها، والأسوأ أن بعض المستفيدين واجهوا صعوبات في سداد القروض، في غياب تأهيل مالي أو مواكبة تجارية، ما أفرغ البرنامج من مضمونه التنموي، وحوّله إلى تجربة فردية محفوفة بالفشل أكثر من كونه دعامة حقيقية للإدماج المهني.

من جهة ثانية، المثير في الخطة الحكومية الجديدة هو تركيزها على التكوين بالتدرج واستهداف غير الحاصلين على الشهادات، وهو توجه يُفترض أنه استراتيجي بالنظر إلى طبيعة سوق الشغل المغربية، لكنه يظل قاصرا في غياب تنسيق حقيقي بين التكوين وسوق العمل، فالقطاع الخاص، الذي يُعوّل عليه لاحتضان هذه الفئة، لم يشارك في صياغة الخطة، ولا توجد أي التزامات واضحة من مقاولات أو اتحادات مهنية لاستيعاب المتكونين. ويظل الخوف قائما من أن يتحول التكوين إلى حلقة إضافية من البطالة المقنّعة، دون أي ضمانات للاندماج النهائي.

الإشكال الأعمق يكمن في غياب أي تحول في المقاربة العمومية للشغل، حيث ما تزال الحكومة، كما سابقاتها، تُقارب التشغيل باعتباره وظيفة لبرامج الدعم أو نتائج للاستثمار العمومي، دون ربطه بإصلاح عميق للمنظومة الاقتصادية الكلية، التي تعاني من تضييق في مناخ الأعمال، وتراجع ثقة المستثمرين، وثقل المساطر الإدارية، وكلها عناصر تحدّ من قدرة الاقتصاد الوطني على خلق فرص الشغل بشكل عضوي ومستدام.

ثم إن الحكومة الحالية، التي تشكلت من ثلاثة أحزاب تمتلك أغلبية مريحة، وُضعت في موقع المسؤولية السياسية الكاملة، خاصة في ظل إسناد وزارة الإدماج الاقتصادي والتشغيل لحزب من التحالف، وإشراف حزب الاستقلال على عدد من القطاعات التنموية، وهو ما يجعل الانتقادات الصادرة من الفريق الاستقلالي في مجلس المستشارين تأكيدا ضمنيا على الفشل الجماعي للتحالف في معالجة أولوية وطنية بحجم البطالة، التي باتت اليوم العامل الرئيسي وراء تصاعد الهجرة غير النظامية، والاحتقان الاجتماعي، وانكماش الثقة في الدولة.

التحديات التي يواجهها سوق الشغل في المغرب لم تعد فقط مرتبطة بنقص المناصب، بل بتردي جودة الوظائف المتوفرة، وتزايد عدد العاطلين من حاملي الشهادات العليا، وضعف الحماية الاجتماعية، وتنامي الاقتصاد غير المهيكل، فأكثر من مليون ونصف مغربي يشتغلون في أنشطة بدون تغطية صحية أو تأمين أو أجر قار، في ظل غياب تام لأي سياسات مندمجة لدمج هذه الفئة في الدورة الاقتصادية الرسمية.

ورغم الحديث الحكومي المتكرر عن إحداث تحوّل هيكلي، لا تزال السياسات العمومية حبيسة المقاربات الكلاسيكية نفسها، حيث يتم ربط الشغل بالاستثمار، دون أي مراجعة جذرية لنموذج التنمية، أو لهيكلة سوق العمل، أو للعلاقة بين التربية والتكوين من جهة، والنسيج الإنتاجي من جهة ثانية، والنتيجة برامج متفرقة، مؤشرات متدهورة، وشباب ضائع بين التكوين والتهميش.

ويظهر أن الخطة الحكومية، برغم غلافها المالي الضخم، تفتقر إلى آلية محاسبة، وإلى بنية تنسيقية تضمن الالتقائية بين القطاعات، وهو ما نبه إليه عبد اللطيف الأنصاري بقوله إن "الأمر يتطلب تعبئة شاملة عابرة للقطاعات"، وهي إشارة ضمنية إلى تشتت الرؤية، وضعف التنسيق بين وزارة التشغيل والوزارات الاقتصادية والاجتماعية.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

القفطان.. وأزمة الهوية عند الجزائريين

طُويت معركة أخرى أرادت الجزائر أن تخوضها ضد المغرب، وهذه المرة ليس في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء، بل داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التي تعقد ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...